الداعية جواد خليفة – أول ظلامة في طريق ذات الشوكة

by admin
0 comment 302 views

ولا تبخسوا الناس أشياءهم – صدق الله العلي العظيم
من منَّا بوسعه أن يمنع الناس في أن تتحدث عن ظلاماتهم ؟ وهل في وسع أي قوة في العالم أن تؤاخذ أحدا من أن يصرخ ألماً وهو يشعر بنصل المدية يرسم جراحه في وجدانه ؟ أنا جُرحٌ في هذه الأمة ، وأنت موجة ألم تفصح عن قهر من لون آخر ، ولعل هناك من لاتسعفه مداركه في أن يقول ما يعتمل في داخله من شعور بالحيف ، فيلوك ذلك الألم بصمت ، ينتظر من يتحدث عنه ، أو أن يموت على وسادة الصبر ، حسينا جديدا ، بلون وحجم آخر.

تمر هذه الآيام ذكرى وفاة ، علم من أعلام الدعاة ، شاء رفاق الدرب وأصحاب ذات الشكوكة أن يطووه ، صرخة لم أزل أسمع أصداءها بجلاء ، وأن استعصَى على آذان القوم سماعها بعد أن أصمتها الحياة الجديدة ، وملئها بعجين الغرور وطين المناصب .

نفس كبيرة بحجم العراق ، إلا أنها أبت إلا أن ترحل دون أن تأخذ من العراق أكثر من كفن وصرخات حزن ودمعات من المحبين ، ومع أنها أعطت لهذا الوطن الكثير من الألم والمعاناة والسهر ، بل وحتى من تعب الأكتاف ، لكنها لم تطلب من ذلك الوطن شيئا مقابل ذلك ، لأنها تدرك جيدا أن عطاء الدنيا مهما كبر  يبقى تافها ، كيف وهو يعلم من معلمه علي عليه السلام أن الدنيا بما فيها لاتساوي عفطة عنز .

رحل شهيد الوسادة الحاج جواد خليفة عن العراق دون أن يأخذ منه شيئاً ، ولو أن ثمة منصفاً من رفاق طريق ذات الشوكة في الدعوة ، لكرَّموه حيَّا  وميِّتاً، وهم يدركون جيدا أنهم لم يعطوا للوطن والقضية شيئا ذا قيمة أزاء ما أعطاه ذلك البطل المشطوب من سجلات ذكرياتهم ، وأنا أحسب أنهم يخشونه على دنياهم ميتا كما كانوا يخشونه على تلك الدنيا وهو حي . وهم يدركون أن للوفاء ثمن ، وأن الاعتراف بذلك الثمن يستوجب بسط اليد والفكر والوجدان ، بيد أن تلك الجماعة  منطوية على نفسها تلفها أنانية مقيتة ، ويبعدها سكر السلطة الذي هوى أقوى من سكر الخمرة والمال ، فآثروا أن ينسوه ، كما نسوا غيره .

كان الحاج أبو عبد الله يهتم بالدعاة أكثر من غيره ، كأنه الأب الروحي والأخ الذي يرى واجبا شرعيا في رعايتهم ، فإذا رأى مظلمة أو حيفا سارع إلى إلإصلاح بما تمكنه قدراته المتواضعة ، واتذكر في مطلع سنة  1983 ، أن بعض الدعاة كانوا يشكون من عدم اهتمام رموز الدعوة أنذاك بهم في مدينة قم ، وهم يعانون من شظف العيش والضياع ، وتستشيط الحمية في نفس الحاج أبو عبد الله ، ويسارع إلى ( الشيح عبد الحليم الزهيري ) وهو أنذاك كما هو الآن من رموز الصف الأول في الدعوة ، وأنقل لكم نصاً ما نقله لي المرحوم جواد خليفة مما دار بينه وبين الزهيري :

( ذهبت إلى الشيخ عبد الحليم الزهيري وقلت له : شيخنا أنتم تعلمون أن في قم الكثير من الدعاة الذين تركوا معسكر الأهواز وهم يعيشون حالة من الضياع ، وعدم اهتمامكم بهم يزيد من ضياعهم ، أنهم أبناء الدعوة والواجب الديني يحتم عليكم أن تجدوا لهم ما يصلح أحوالهم .

فرد عليَّ الشيخ الزهيري بعد أن أكملت كلامي :  ماذا نعمل لهم ، نحن متورطون مثلهم ) .

إذن هذه هي ثقافة بعض رموز الدعوة قبل ربع قرن ، وما يحصل اليوم لايختلف كثيرا ، فالقضية لايبدوا أنها تتعلق بالظروف المحيطة بتلك الرجال وأنما هو خلق تقولبت عليه أنفسهم منذ عقود فأصبحوا سواء في الضراء والسراء .

وفي شهر كانون الثاني الماضي ، وأنا في طريقي إلى أربيل للمشاركة في مؤتمر العدالة الإنتقالية التقيت بأحد رموز الدعوة وكان مسؤولي عندما كنت من الدعاة في بداية الثمانينات ، ويعمل الآن في منصب رفيع في أحد المؤسسات المهمة ، لقد وجدتها فرصة لتذكيره  بخطورة استخفافهم بعناصرهم المخلصة والكفوءة المضحية من أصحاب التاريخ لصالح شخصيات تافهة لاكفاءة ولا تاريخ لها ، جاءت بها الدعوة وملأت بها دوائر الدولة ، وكم كانت دهشتي كبيرة عندما قال لي دون حرج :

اسمع يا أبا مصطفى أن كل الذين عينتهم الدعوة في تلك المناصب عناصر ذليلة  وممن يبوسون ( القـ…….) . شعرت بغرابة ذلك التبرير ، فقلت له : وهل الدعوة مضطرة لتعين مثل تلك العناصر ونحن نريد بناء الوطن ، ولماذا لا تعين الدعوة الشرفاء من الدعاة وأصحاب الكفاءة والتاريخ ، وما المانع من ذلك ؟. فرد علي قائلاً : إن الوقت غير مؤات . فقلت له : غير مؤات ومنكم رئيس الوزراء ، فمتى يكون مؤات إذن ؟ . لقد شعرت وأنا أسمع ذلك أني أسمع إحجيِّة بحاجة إلى حل أو تفسير .

 و البطل ( جواد خليفة ) والذي كان يكنى  (بأبي عبد الله)  نموذجا من عشرات النماذج التي رميت وراء ظهور قادة ( حزب الدعوة) ، لكن هذا الرجل قد يختلف عن الكثير من المؤمنين المجاهدين ، لأنه كان يتميز بكرم إستثنائي وحس إسلامي مرهف وطيبة نفس قل مثيلها وتحمسا صادقا ومخلصا ( للدعوة ) وأفكارها ومسيرتها ، لو وضعته في الميزان لرجح على تحمس كل من يتقلد المناصب الآن في العراق من كوادر الحزب . لقد كان من المضحين الأوائل للدين والوطن وحزب الدعوة الذي كان يعتبره ثمرة من ثمار جهاد الشهيد السيد محمد باقر الصدر ، ولمَّا كان نشطا وقويا في ذات الله رصدته أجهزة النظام السابق في أواخر السبعينات ، ووضعت خطة لإلقاء القبض عليه ، إلا أن المشيئة الإلهية حالت دون ذلك ، واستطاع أن يفلت بجلده ويغادر العراق الى دولة مجاورة ومن ثم التحق بعائلته التي هي الأخرى هربت لدولة مجاورة أخرى . صادر البعثيون منزله وغيبوا زوج ابنته قبل أن يعدموه ويخفون جثته عن أهله ، لكن تلك المصائب لم تهد من عضد هذا الرجل الشجاع وبقي في طريق ( ذات الشوكة ) مجاهدا نشطا لا يدخر أي جهد من العمل في صفوف حزب الدعوة ، لقد أمضى سنوات طوال في العمل بين صفوف المجاهدين ، وعندما رجع الى قم حيث كان يسكن ، اتخذ من هذه المدينة ميدانا لجهادة وكرمه ونشاطه في كل الميادين الإجتماعية والسياسية ، ولعل أكثر ما كان يتصف به هي النفس العالية والهمة الجبارة التي لا تكل ولا تمل من العمل ، لقد كان داعية بامتياز ، وكان لايتواني من تكرار أن الدعوة أمل العراق وشعبه ، وهي التي سوف تنقذ الوطن الأسير من قيود حزب البعث ، وما كان أحد يجرؤ على انتقاد الدعوة ولا الدعاة في حضرته ، وعندما يحرجه البعض  بسلبيات بعض رموز الحزب يسارع في البحث عن ذرائع ليخفف على المقابل ألمه وتحامله ، لم يكن ( الحاج جواد خليفة ) يحب الدعوة وحسب وأنما كان يعشقها.

هذا البطل يعود للعراق ، ولم يلق من أصحاب الطريق الذين كانوا يشهدون له بالبطولة والكرم والشهامة والتفاني من أجل الدعوة وأهدافها ، ويسلبه المرض ذاكرته ، ويبقى في بيته لم يزره أو يسأل عنه أحد ، والغريب أن ذاكرته التي تخلت عن كل شيء لم تتخل عن كثير من رموز الدعوة كالمالكي والجعفري والزهيري ، وعندما أسأله عنهم كان يذكرهم بخير ، فطيبته لم يغلبها لؤمهم وإهمالهم به ، بل بقيت على صورتها ، الناصعة وكأنه يقول لي في سره وأنا أحدثه عنهم : اللهم ارزقني أن اجزي من هجرني بالبر ، و اثيب من حرمني بالبذل ، و اكافي من قطعني بالصلة .

بهذه الروح العامرة بالإيمان والحب فارق الحاج أبو عبد الله دنياه . اللهم أجمعنا معه .

You may also like

Leave a Comment

About The New Iraq

( العراق الجديد) صحيفة ألكترونية تصدر عن المركز الإعلامي العراقي في لندن حرة غيرمرتبطة بأي جهة أوتكتل سياسي تهدف الى خدمة أبناء شعبنا العراقي وتدافع عن مصالحه السياسية والثقافية والإجتماعية

All Right Reserved. 2024 – TheNewIraq.com – Media & Studies Centre