لِمَ لم يوحدنا 124 ألف نبي ؟؟

by admin
0 comment 190 views

02.10.2005

كم أتمنى لو أن العرب المسلمين تعلموا من اليهود في عصرنا الحاضر وأخذوا ببعض مواقفهم من بعضهم ، ليس من باب التشبه من باب  ( خذ الحكمة ولو من أفواه المجانين )  ,و ( الحكمة ضالة المؤمن ) ، قد يسخر البعض مني وأنا أتناول موضوعاً فيه اليهود طرفا إيجابيا مع أن (حكمتنا) درجت وهي ترتأي أن لانذكر لليهود أي إجابية تاريخية وقد بدأوا حياتهم بصلب (السيد المسيح) وانتهوا بسلب (أرض فلسطين) . ولكن على كل حال أترك للقاريء الكريم حرية أن يظن بما يشاء ويمنحني من وقته ( دقائقا ) معدودة لأفرغ ما في جعبتي وأظن أن فيما أقول فائدة لنضع الإصبع على بعض جراحاتنا وأخطائنا الكثيرة والتي لم نزل نجترها بوعي أو دون وعي ودون أن نتحرك للخلاص منها الى أن غلبتنا الدنيا ومن فيها وبقينا نجر أذيالنا في مؤخرة الرتل. وخاصة أن بعض الحكماء  قال : إذا عرفت عدوك فقد حققت نصف النصر وإذا عرفت نفسك وعدوك فقد حققت كل النصر .

لقد دفعني لكتابة هذا المقال ما رأيته قبل أيام في وسائل الإعلام من تدافع بين كتلتي ( الليكود ) الإسرائيلي في قاعة الحزب وقد همَّ ( شارون ) أن يلقي خطابه لكن المعارضين أفلحوا في قطع التيار الكهربائي عن جهاز الصوت وبقى محرجا مع مؤيديه حتى ترك المنصة . بعدها لم ارى أن قتالاً حصل بين الفئتين المختلفتين ، ولم أسمع إطلاق نار إنما انسحب الجميع وانتهى كل شيء ليمارسوا فيما بعد العملية السياسية بجوِّ من الحرية المطلقة والتي يتمتع بها الجميع على حد سواء .

اليهود وعلى مدى تاريخهم الطويل لم يكونوا فئة واحدة  بل كانوا ومازالوا ( اسباطا ) وفرقا وجماعات ، ولكل منهم مرجع خاص سواء على المستوى السياسي أو الديني أو الليبرالي ، لكن إذا أردت أن تتمعن في طبيعة العلاقة التي تربط الجميع فإنك سوف تجدهم جميعا يسيرون في سياق واحد ، ولن تجد أي طرف منهم يحاول أن يلغي الآخر أو يسقطه إجتماعيا أو يطعن في هويته ، وإذا ما تعرضوا لأي طارئة وجدتهم ( كتلة واحدة ) و ( وصوت واحد ) ويسرعون جميعا في اتجاة وسرعة واحدة للعمل من أجل إنقاذ الموقف ، لم يحدثنا التاريخ القريب والبعيد عن أي عراك حصل بين فئتين من اليهود بل أن ما اشتهر عنهم وعبر التاريخ أنهم قليلوا الخلاف ، لم يفرقهم  حق ولا باطل بل يجمعهم الحق و الباطل على درجة سواء . لقد حدثنا القرآن الكريم عن أكثر من خصلة تأصلت في أخلاقية اليهود ولعل أكبر هذه الخصال انهم شديدوا الإعتداد بأنفسهم  الى درجة إلغاء الآخرين ، شديدوا الحقد على الآخرين ومفرطون في حب الدنيا (  وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ) المائدة 18 ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) المائدة 82 ( يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولن يتمنونه أبدا بما قدَّمت أيديهم والله عليم بالظالمين ) الجمعة 6 .

هذا هو الفقه السياسي والديني والاجتماعي لليهود ، وباختصار شديد فأن هذا الفقه والخصال التي نتجت عن هذا الفقه قد سخره اليهود لإنجاز هدف محدد واحد وهو أن يكونوا (كلاَّ) على أعدائهم ، وقد نجحوا في ذلك أيما نجاح ، واستطاعوا أن يجمعوا شتاتهم ومن شذاذ الآفاق في دولة واحدة أطلقوا عليها اسماً له علاقة صميمية صارخة بالدين اليهودي ( إسرائيل ) وهو أسم النبي يعقوب عليه السلام .

دعوا التاريخ جانبا وانظروا إسرائيل الآن ودعونا نتمعن في هياكل الدولة السياسية والإجتماعية والإدارية وعلاقة هذه الهياكل مع النظام السياسي والعملية الديمقراطية ، وكيف استطاعت هذه الدولة منذ نشوئها في سنة 1948 ولحد الآن لم تشهد عراكا داخليا ولا تناقضا سياسيا ، فقننوا العملية السياسية بشكل دقيق بحيث لايسمحوا لأي خلاف وعلى مستوى أي صعيد أن يتجاوز حدوده اليمقراطية التي تقوي الشعب وتزيد من ترابط المجتمع باتجاه حماية إسرائيل ، وانظروا الى التجمعات والجاليات اليهودية خارج إسرائيل كيف تتفاعل مع بعضها في الخارج وكيف تشكل ظهيرا غاية في الإنسجام والقوة وكيف تعمل ليل نهار من أجل الدفاع عن إسرائيل وتمويلها بالمال والسلاح والمهاجرين ، وبذا فإن اليهود في داخل إسرائيل وخارجها أشبه بالجسم الواحد والأمة الواحدة .

( ننتقل الى ( حالنا ) الماضي والحاضر ) يفتخر علينا الأوربيون أنهم توحدوا مع أن الله لم يبعث فيهم رسولا ولا نبيا واحدا ، في حين أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل لنا في هذه الرقعة العربية المباركة مثلث المشروع الإلهي ( مكة – القدس – الكوفة ) 124 ألف نبي ، وكل هؤلاء الأنبياء دعونا الى هدف واحد هو ( الوحدة ) ( واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ) ، ومع ذلك لم نبلغ مابلغه الأوربيون من وحدة وقوة وتقدم بل كلما تقدم بنا الزمن ازددنا وهنا وضعفا حتى أصبحت دولة صغيرة مثل إسرائيل تتحكم بنا .

ولو أردنا أن نتصفح تاريخنا وكما تصفحنا تاريخ اليهود ولم نر فيه عراكا فيما بينهم فإننا نرى في تاريخنا ما يزكم الأنوف ويدمي القلوب ، فمنذ وفاة نبينا عليه الصلاة والسلام ونحن نشهد ما لا يصدق من الخلافات والإنقسامات وليت الأمر انتهى عند ذلك بل اصبح بعضنا لا يطيق الآخر حتى أصبح إلغاؤه وتصفيته سمة من سمات فرقنا الإسلامية وأصبح  (ولاة أمورنا الحاكمون ) يقودون تلك التصفيات وعمليات القتل والإقصاء ابتداءا من مذابح شرق الجزيرة والتي أطلق عليها تاريخنا بقتال المرتدين مرورا بالإستباحات المتكررة لأقدس مدننا ( مكة والمدينة ) ومقتل ( الإمام الحسين عليه السلام)  في زمن يزيد وعبد الملك بن مروان ثم القتل الجماعي المتواصل للعلويين وذرية الرسول الكريم طيلة حكم الدولة الأموية والعباسية ثم مذابح المسلمين الدامية في مصر والشام والعراق على يد ( الناصر صلاح الدين ) بحجة  إرجاع الشيعة ( الروافض ) الى فقه ( المذاهب الأربع )  حتى بلغنا عصرنا الحاضر ولم تهدأ فورة حقدنا على بعضنا وما زلنا نؤمن بتصفية بعضنا الآخر بحجج واهية وننقد بعضنا بقلوب عامرة بمقت وغلٍّ غريب انتهى بنا الى أن نقطع رقاب بعضنا بسكين ونطلب من الضحية أن يتلو الشهادتين ليكون ذبحه ( إسلاميا ) وهذا ما يحصل فعلاً في العراق والمصيبة والكارثة الكبرى أن الآخرين يطلقون على مثل هؤلاء الذين يمارسون الذبح بهذه الطريقة مجاهدين وأصحاب قضية ويتعاطفون معهم .

دعونا نختلف .. و (اختلاف أمتي رحمة ) كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام ، ولم تخل الأمم من الخلاف والاختلاف وتعدد وجهات النظر ، فكل ذلك يشحذ العقول وهو مظهر من مظاهر تقدم الأمم والشعوب ولهذا السبب جعل الله الناس مختلفين بالطبائع والأمزجة وإسلوب التفكير ، لكن أن يكون الإختلاف في وجه النظر مدعاة الى استباحة الدماء والأعراض والى درجة نزلت بنا الى الحضيض بين الأمم فهذا أمر يؤسف له وهو بحاجة الى ثورة عارمة على أنفسنا واسلوب تفكيرنا والرجوع الى الأسباب الحقيقية وراء هذا ( الخلل والإنحراف الخطير ) ومحاولة إيجاد الحلول السريعة الناجعة .

دعونا نختلف ، ولكن لنختلف على الطريقة  ( اليهودية ) التي تحرم الدم اليهودي على اليهودي الآخر إذا كنا في سكرة عما رسمته لنا عقيدتنا ، ونحب على الطريقة الإسلامية ( حب لأخيك ماتحب لنفسك وأكره له ما تكره لها ) ، لا ضير في أن أحب عمر رضي الله عنه أو معاوية وعبد الملك بن مروان وهارون الرشيد والمتوكل وأن اتبع أحد أصحاب المذاهب الأربعة لمعرفة أمور ديني وأن اتخذ من ابن تيمية أو غيره مثالاً وقدوة فهذا هو شأني وقد بلغت بي القناعة الشرعية الى ذلك وأنا حر ومسؤول عن ذلك يوم القيامة . ولا ضير في أن تحب أنت عليا والحسن والحسين والأئمة من أبناء الحسين عليهم السلام  وأن أتبع الإمام ( جعفر الصادق ) لأخذ عنه تعاليم ديني ويدلني على سنة النبي عليه الصلاة والسلام … هذا الولاء والحب لا ضير فيه ولا خلاف عليه من الجانبين ولكن أن لا نخرج عن إطاره ونتجاوزه الى ما لايرضي الله والعقل والشرع أو أن نجعل من هذا الحب منطلقا وقاعدة لما نحن فيه من  (كره سرمدي وغلٍّ شيطاني ) ، لأن الخروج عن إطار الحب الى ذلك هو خروج عن الإسلام ومدعاة الى غضب إلهي قد يترتب عليه أمر خطير ولعله قد حصل فعلاً معنا فيخضعنا الى سنته ( وإن تّتَولوا يَستبدلْ قَومَا غَيرَكم ثمَّ لا يَكونُوا أمثالكم ) محمد 38 ، فأصبحنا أهلا لهذا الضعف والهوان الذي نحن فيه .

أولا يكفي ما حصل لنا لكي نعيد حساباتنا وهل لدينا الشجاعة الكافية فنسحق بها إحقاد السنين الماضية ، ونستفيد من تجارب الشعوب التي سبقتنا الى الرقي والتقدم ، فنتوحد أمام أعدائنا ونحقق بذلك حلم الـ 124 ألف نبي  الذين نزلوا على أرضنا وعلمونا أول ما علمونا كلمة الحب …. *

You may also like

Leave a Comment

About The New Iraq

( العراق الجديد) صحيفة ألكترونية تصدر عن المركز الإعلامي العراقي في لندن حرة غيرمرتبطة بأي جهة أوتكتل سياسي تهدف الى خدمة أبناء شعبنا العراقي وتدافع عن مصالحه السياسية والثقافية والإجتماعية

All Right Reserved. 2024 – TheNewIraq.com – Media & Studies Centre